Sunday, August 06, 2006

on the mass sucide of Qana residants on CNN

صبحي حديدي
الأوّل استمات واستقتل واستبسل، بعد أن تشاطر وتحذلق وتخابث، من أجل إقناع مشاهديه بأنّ ضحايا مجزرة قانا ـ 2، وجلّهم من الأطفال بالطبع، لم تجهز عليهم البربرية الهمجية الإسرائيلية، بل انتحروا او نحروا أنفسهم بأنفسهم! ففي برنامجه الأسبوعي الطبعة الأخيرة ، كان نجم الـ CNN وولف بليتزر شديد الحرص علي التأطير المسبق ـ أي الرقابة الإحترازية ـ لما سيقوله مراسل القناة علي الأرض، في قانا: الإسرائيليون يقولون إنهم أعطوا الكثير من الإنذارات للأفراد القاطنين هناك، وأسقطوا عليهم المنشورات، وعرضوا علينا بعضها، وبينها ما يقول التالي لسكّان القري جنوب الليطاني: بسبب الأعمال الإرهابية التي تُرتكب من داخل قراكم وبيوتكم ضدّ دولة إسرائيل، فإنّ جيش الدفاع الإسرائيلي مضطرّ للردّ مباشرة علي هذه الأفعال، حتي داخل قراكم .
صحافي مخضرم، ومواطن ديمقراطية عريقة، وسليل الهولوكوست، يعاضد جيشاً غازياً في حثّ ضحايا الغزو علي هجر بيوتهم وقراهم، والانخراط طواعية في ما يشبه إعادة إنتاج الـ ترانسفير الفلسطيني قبيل وخلال 1948. لكنّ طوية بليتزر لا تتكشف كاملة إلا في القسم الثاني من البرنامج، حين عرض تحقيقاً مصوّراً نفّذه بنفسه... ليس في قانا، كما قد يخطر لبعض أبرياء العقل، بل للمشاقّ التي يعانيها الإسرائيليون في حيفا جرّاء صواريخ حزب الله . وبعد أن جال في ميناء المدينة، انتهي إلي هذه الوقفة الرثائية: وإذْ نظرتُ إلي ذلك الميناء وإلي خليج حيفا، كان مثيراً للانقباض رؤية القليل فقط من السفن الراسية هناك ! ماذا عن المرافئ في صيدا وصور وبيروت؟ مطار بيروت؟ الجسور الـ 145 التي دمّرها برابرة الدولة العبرية؟ بل ماذا عن بلدة قانا ذاتها، مسرح المجزرة الجديدة وحدث الساعة؟
الصحافي الثاني تلقي صفعة مهنية من السفير الإسرائيلي لدي الأمم المتحدة، ليس لأنّ الدبلوماسي احتجّ علي انحياز الصحافي ضدّ إسرائيل لا سمح الله، بل ـ صدّقوا هذه المفارقة البذيئة ـ لأنّ الصحافي لم يتعاطف مع ضحايا مجزرة قانا! ففي البرنامج الشهير واحة الصحافة ، لم يبدأ تيم رسرت برنامجه بالحديث عن أهول يوم مجزرة قانا ـ 2، كما يليق به أخلاقياً ومهنياً، بل سأل ضيفه دان غيلرمان بتهذيب جمّ: هل ستقبلون بوقف إطلاق النار بعد هذا الذي جري اليوم؟ لكنّ غيلرمان، ببروده الذئبي المألوف، أهمل هذه السؤال تماماً وسارع إلي تكديس أحزان إسرائيل، وأحزانه شخصياً، إزاء فظائع هذا الأحد الدامي ، وقال: أوّلاً، اسمح لي يا تيم أن أقول إنّ هذا الأحد نهار مريع مدمّر دامٍ، وهو صباح رهيب، ونحن في حداد علي تلك الوفيات في صفوف المدنيين والأطفال .. قبل أن ينتقل، بالطبع، إلي تحميل حزب الله مسؤولية مقتلهم.
العيّنة الثالثة، وهي هذه المرّة الصحيفة الأمريكية العريقة نيويورك تايمز ، بدت وكأنها اتفقت مسبقاً مع وولف بليتزر حول نظرية الإنتحار الجماعي لضحايا قانا ـ 2، فكتبت: قالت إسرائيل إنّ ضربة قانا استهدفت مقاتلي حزب الله الذين كانوا يطلقون الصواريخ من تلك المنطقة، لكنّ انفجاراً هو الذي تسبب في انهيار المبني السكني، فسحق المدنيين اللبنانيين الذين كانوا يقضون الليلة في الطابق السفلي، حيث اعتقدوا أنهم سوف يكونون في مأمن. ولقد أثار الإسرائيليون احتمال انفجار الذخائر المخزّنة في المبني، بعد الضربة الجوية، مما تسبب في انهياره !
هل ثمة حاجة إلي أيّ تعليق علي تغطية كهذه، تُنشر في صحيفة لعلّها الأهمّ في العالم بأسره؟ ولِمَ العجب، في المقابل، إذا كانت الصحيفة ذاتها قد اعتذرت رسمياً من قرّائها لأنّ تغطياتها للأسابيع السابقة علي غزو العراق كانت، باعتراف هيئة التحرير، قد ضللت الرأي العامّ ورسّخت اليقين الزائف بأنّ العراق يمتلك اسلحة دمار شامل؟ ثمّ لِمَ العجب، أيضاً وايضاً، إذا كانت شقيقتها في الشهرة والعراقة، الـ واشنطن بوست ، صاحبة الكشف عن فضيحة ووترغيت والإطاحة بالرئيس الأمريكي ريشارد نيكسون، تسير في الخطّ ذاته: أنّ المبني كان مستودع ذخائر لـ حزب الله ، والضحايا كانوا بمثابة دروع بشرية للمقاومة!
المحزن، في غمرة هذه البذاءة التي تطبع وسائل الإعلام الأمريكية ـ غير حاملة لأية مفاجأة، في الأغلب، إلا عند رهط مريدي الشرق الأوسط الجديد ودراويشه ودعاته ـ أنّ بعض العون يأتي من أهل البيت أنفسهم. ففي برنامج الـ CNN المشار إليه أعلاه، ولكي يتخابث أكثر حول الموازنة بين الرأي والرأي الآخر، استضاف وولف بليتزر الوزيرة السورية بثينة شعبان، فسألها عن استعداد دمشق لوقف تزويد حزب الله بالسلاح والعتاد. وكان أن أجابت، لا فضّ فوها، هكذا: تذكروا أنّ ألمانيا النازية كانت كذلك قد زعمت أنها تحارب الإرهاب. ثمّ توجّب علي العالم بأسره أن يوقفها .
وغنيّ عن القول إنها، ذلك الأحد الدامي تحديداً، أجهزت علي بليتزر بالضربة القاضية، خصوصاً وأنّ مهاراتها في الإلتفاف علي الأسئلة المحرجة هي من طينة ذلك المثال الكلاسيكي، حين أكدت أنّه لا يوجد سجين سياسي واحد في سورية! ومع ذلك، ثمة ما يعزّي شعبان: حالها في هذا شبيهة بحال تسعة أعشار الضيوف العرب علي الفضائيات الأمريكية، إذْ لا شطارة علي تلك المنابر إلا لأمثال داني غيلرمان.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home