Monday, March 26, 2007

بيريز

بدا نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية، شمعون بيريز كمن يوجه الضربة القاضية، في شهادته أمام لجنة فينوغراد، لرئيسه إيهود أولمرت. ففي الشهادة، ورغم إصراره على إخلاصه لرئيسه وحكومته ـ خلافاً لصورة المتآمر المأخوذة عنه ـ بيّن أن أولمرت ليس فقط عديم التجربة وإنما لم يقل الحقيقة أيضاً. فالحرب ليست كما اعترف أولمرت، بأنه خطط لها منذ شهور، قبل شنها، وإنما فرضت على إسرائيل بحيث كان لا بد من «صدها». ويبدو أن شهادة بيريز، على أهميتها، تحوي عدداً من المغالطات الهامة التي لا يبدو أن «خرف الشيخوخة» وراءها. فبيريز، في شهادته، تحدث كفيلسوف عركته التجارب والسنون، ولم يبد عليه أنه خرف، خاصة أنه لا يزال يطمح لخوض منافسة رئاسة الدولة العبرية. ويبدو أن بيريز كان يرى الواقع بعيون إسرائيل القديمة وليس إسرائيل أولمرت. وفي إسرائيل القديمة كان مسموحاً التملص والكذب واختراع الأسباب أكثر مما هو مسموح اليوم. يصعب القول إن شهادة بيريز كاملة، لأن ما اقتطعته منها أيادي الرقابة العسكرية والأمن الميداني والسياسي كبيرة، ومع ذلك فإنها تحوي الكثير جداً من المعلومات القيمة. ولا تعود قيمة هذه المعلومات إلى حقيقة أن بيريز هو نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية، ولكن إلى الأدوار التي لعبها منذ كان مديراً عاماً لوزارة الدفاع في مطلع الخمسينيات وصولاً إلى اليوم. ومعروف أن بيريز يعتبر بين مؤسسي المشروع النووي والصناعات العسكرية الإسرائيلية، إضافة إلى دوره في إقامة منظومة علاقات مع العديد من القوى الدولية. وكل هذه الأدوار تدفع إلى وجوب النظر باهتمام في ما سمح بنشره من شهادته. ويجدر الانتباه تحديداً إلى «التعب» والإنهاك» اللذين أصابا ليس الجيش الإسرائيلي قبل دخوله حرب لبنان الثانية، وهذا ما قاله صراحة، وإنما أصابا المجتمع الإسرائيلي عموماً وهو ما يستتر في ثنايا حديثه. وبخلاف أقواله الواسعة، في الماضي، عن التطوير التكنولوجي هناك إدراك مستجد لمحدودية ذلك في المستقبل. وفي نظره فإن «العالم وقف إلى جانبنا، ولكن بشكل غير لطيف، لأننا ضعفاء، وليس لأننا محقون. وكان هناك شعور بأن إسرائيل ليست ما كانت عليه دائماً، فهي غير لامعة، لا تقدم مفاجآت، غير إبداعية». غير أن بعض أهم ما قاله في الشهادة ويتطلب الانتباه جداً هو: «بودي هنا عرض استنتاجات: لا أعرف مقدار الزمن الذي سيبقى فيه الشرق الأوسط من دون سلاح نووي، ولكنه لا يبدو زمناً طويلاً، من الجائز خمس سنوات ومن الجائز عشر سنوات. وبسبب أنه لا يمكننا منع تسرب السلاح النووي، ينبغي لنا أن نزيل أسباب مهاجمتنا، وبكلمات أخرى يجب علينا تحقيق السلام الشامل في فترة قريبة». ويعترف بيريز أن إسرائيل بتجنبها صنع السلام إنما تلعب «بمصير الشعب اليهودي». وهو يرى أن اللعب بالمصير هذا ينبع من الطابع المختلف للحرب الجديدة التي تواجهها إسرائيل. ولذلك يقول إنه «يستحيل الركض بطائرة F16 تبلغ قيمتها مئة مليون دولار خلف كل شاب في السادسة عشرة من عمره، وهم في النهاية سيمتلكون صواريخ مضادة للطائرات وحتى طائرات حربية أيضاً. ويتعذر علينا أخذ دبابة ميركافا تبلغ قيمتها عشرة ملايين دولار، وإرسالها نحو كل خندق». ولذلك يطالب بامتلاك نوع جديد من القدرة الردعية التي يؤمن أن إسرائيل تمتلكها. ولكن في عودة إلى ما يمكن تسميتها مغالطات بيريز يمكن الإشارة فقط إلى ما كتبه المعلق العسكري في «هآرتس» زئيف شيف. فقد كتب شيف أن شهادة بيريز أمام لجنة فينوغراد «تبعث على الاكتئاب. وإذا ما تذكرنا أن النائب الأول لرئيس الوزراء هو الوزير الأكثر تجربة (رئيس وزراء، وزير دفاع ووزير خارجية سابقاً) في حكومة إيهود أولمرت، فإن هذه الشهادة تدل على إفلاس زعامي. ولا بد أن الشـهادة تثير الاشمئزاز في أوساط مؤيديه. فقد صوت بيريز في مصلحة حرب يقول عنها إنه ما كان ليدخل إليها. وقد فضل إرسال جنود الجيش الإسرائيلي إلى الحرب، لأنه اعتقد بان هكذا يساعد رئيس الوزراء أكثر». ويفند شيف إدعاء بيريز أنه ما كان ليؤيد قائمة أهداف الحرب ولكنه في الواقع أيّدها ولم يعترض عليها في حين عارضها وزراء آخرون. ويشير شيف إلى أن بيريز في حديثه عن جاهزية الجيش للحرب ما يثير الاستغراب. «فإذا كان يعرف منذ زمن، إذن فتصويته مع إرسال جيش ليس جاهزاً كما ينبغي إلى الحرب أخطر بأضعاف. أما إذا كان عرف بعد الحرب، فمعنى ذلك أن الحكومة لم تعرف بما يجري في الجيش الإسرائيلي». ويخلص شيف إلى أنه ربما ليس صدفة أن لجنة فينوغراد اختارت نشر شهادة بيريز أولاً وقبل غيرها. «فمن المحتمل أيضاً أن تكون اللجنة أرادت بذلك أن تقول للجمهور إن شيئاً غريباً وقع في قيادة الدولة التي أدارت الحرب
».
assafir

0 Comments:

Post a Comment

<< Home